تصدّرت أسواق الكربون اهتمامات الوفود المشاركة في قمة المناخ الأفريقية الأخيرة، التي استضافتها العاصمة الكينية نيروبي، ويعود ذلك إلى قدرة تلك الأسواق على استيعاب ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يمكن أن يتحول إلى مليارات الدولارات، لتحسين سبل العيش في جميع أنحاء القارة.
وفي الجلسة العامة الافتتاحية للقمة، قال الرئيس الكيني، وليام روتو: “إن استعادة أحواض تصريف الكربون الطبيعية وتوسعتها في أفريقيا تُعدّ ضرورة بيئية، ومنجم ذهب اقتصاديًا لا مثيل له”، حسبما نشره موقع إنرجي مونيتور (energymonitor).
وتضمّن إعلان نيروبي، الذي اتُّفق عليه في ختام القمة، دعوات إلى “الاعتراف بدور أفريقيا بصفتها واحدة من أكبر أحواض تصريف الكربون عبر غابات الكونغو والأراضي الخثية”، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُقصَد بالأراضي الخثية المساحات الرطبة التي تحتوي على النباتات الميتة غير المتحللة أو المتفحمة.
هل تساعد أسواق الكربون في دعم الاستثمارات اللازمة لتحقيق الحياد الكربوني؟
ودعا الإعلان دول أفريقيا إلى “أخذ زمام المبادرة في تطوير المعايير والمقاييس العالمية وآليات السوقلتقييم حماية الطبيعة وتعويضها والتنوع البيولوجي والمنافع الاجتماعية والاقتصادية المشتركة وتوفير الخدمات المناخية بدقة”.
في سياق متصل، عادت أسواق الكربون إلى دائرة الضوء بعد أن تمَّ الاتفاق أخيرًا على أحكام المادة 6 من اتفاق باريس للمناخ في مؤتمر الأطراف الـ26 في غلاسكو عام 2021 بعد 6 سنوات من المفاوضات.
وتوفر القواعد إطارًا للحوكمة الدولية للدول لإنشاء ائتمانات الكربون واستعمالها، لمساعدتها على تحقيق أهدافها الوطنية لخفض الانبعاثات والتغلب عليها، أو ما يسمى الإسهامات المحددة وطنيًا، بموجب اتفاق باريس للمناخ.
منتقدو أسواق الكربون
يرى المنتقدون أن أسواق الكربون تحفّز البلدان والشركات على تحويل انتباهها بعيدًا عن خفض انبعاثاتها. فقد أدت العيوب في تصميم أسواق الامتثال إلى تقلبات غير منضبطة في أسعار ائتمانات الكربون.
وما تزال هناك مخاوف كبيرة بشأن جودة الاعتمادات من حيث التخفيف، بما في ذلك المخاوف المستمرة بشأن استمرارية الاعتمادات وإضافتها في الأسواق الطوعية.
وبالنظر إلى انتقادات وسائل الإعلام والمستثمرين، فشلت سوق التعويضات في النمو في عام 2022. واشترت الشركات 155 مليون تعويض، بانخفا 4% عن عام 2021، بسبب مخاوف من مخاطر السمعة من شراء ائتمانات منخفضة الجودة.
وتظل أسواق الكربون مثيرة للجدل في أفريقيا من منظور التنمية، على الرغم من الفرصة الاقتصادية الظاهرية.
وقال الناشط في مجال المناخ والطاقة في منظمة السلام الأخضر في أفريقيا، ثانديل تشينيافانهو، في أثناء انعقاد قمة المناخ الأفريقية في كينيا: “من المؤسف أن تصبح قمة المناخ الأفريقية سوقًا للمضاربين على ائتمان الكربون والدعاة الذين يعملون على الغسل الأخضر بدلًا من تقليل الانبعاثات الضارة”.
ويصف تقرير أصدرته مؤسسة باور شيفت أفريكا غير الحكومية، التي تتخذ من نيروبي مقرًا لها خلال القمة، أسواق الكربون بأنها “ذئب يرتدي ملابس حمل”، ما يشير إلى أن الائتمانات تُعد “سلعة خيالية أُنشئت لصالح الأثرياء، وليس المناخ”.
وتشير الأدلة إلى أن مثل هذه الاتهامات ليست مجرد كلام الناشطين، حسبما نشره موقع إنرجي مونيتور (energymonitor).
في أغسطس/آب 2023، ظهرت تقارير تفيد بأن صفقة ائتمان الكربون بين دولة ليبيريا الواقعة في شرق أفريقيا وشركة بلو كاربون، وهي شركة مقرها في الإمارات العربية المتحدة، قد تؤدي إلى تخلي ليبيريا عن 10% من أراضيا. وقد وُصفت هذه الخطوة بأنها جزء من “الاندفاع الجديد نحو أفريقيا”.
تهمة “تربّح” قد توقف تعويضات الكربون للشركات العالمية
وتقول منسقة مجموعة المجتمع المدني عبر أفريقيا لدى شبكة الفحم الأفريقية، ومقرها غانا، مارينا أغورتيفور: “إن الطفرة في أسواق الكربون تعني أن المجتمعات تفقد السيطرة على أراضيها”.
وأوضحت: “عندما نتحدث عن حلول المناخ لأفريقيا، ينبغي أن تكون حلولًا من قبل الأفارقة للأفارقة، وليست حلولًا من جانب أشخاص آخرين”.
وأشارت نائبة رئيس المؤسسة الأفريقية للحياة البرية، ليندسي كوسنيك، إلى أن “ضمان مشاركة السكان الأفارقة والمجتمعات المحلية في صفقات ائتمانات الكربون لا يتعلق فقط بالعدالة الاجتماعية، وإنما يتعلق الأمر بضمان فاعلية الائتمانات ذاتها، واحتجاز الكربون الذي من المفترض أن تمثله”.
أول سوق للكربون في أفريقيا
نظرًا إلى الفضائح المختلفة التي ظهرت بشأن شرعية ائتمانات الكربون، فضلًا عن انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها، فإن المخاوف بشأن أسواق الكربون في أفريقيا لا أساس لها من الصحة.
وحال إدارة جميع المشروعات وتجارة الائتمانات بصورة سليمة، فإن لديها القدرة على جلب التمويل المناي الذي تشتد الحاجة إليه في القارة. ويمكنها تشجيع الممارسات الاقتصادية المستدامة في المجتمعات التي قد تعتمد لولا ذلك على ممارسات العمل غير الرسمية أو المنح المالية.
ومن ضمن الشركات التي تقف في طليعة الجهود الرامية إلى الحصول على ائتمانات الكربون عالية الجودة في أفريقيا، تأتي شركة سي واي إن كيه، التي أُطلقت في نيروبي خلال بداية قمة المناخ الأفريقية بصفتها أول سوق للكربون يمكن التحقق منها في أفريقيا.
وتقدم شركة سي واي إن كيه منصة شاملة للقياس والتحقق وبيع تخفيضات الانبعاثات عالية الجودة.
وتشرف الشركة على مشروعات الكربون، إذ تبدأ من تجارة مليوني ائتمان كربون تنتجها مجموعة تامو، أكبر شركة للكتلة الحيوية في كينيا، التي أسسها رئيس مجلس إدارة مؤسس شركة سي واي إن كيه، نيلس رازميلوفيتش قبل 7 سنوات.
وتصنّع مجموعة تامو قوالب الكتلة الحيوية من النفايات الناتجة عن عمليات طحن السكر في كينيا.
ويعادل كل ائتمان كربون يُباع على منصة شركة سي واي إن كيه طنًا واحدًا من انبعاثات الكربون التي يجري توفيرها، وكان من الممكن أن تنبعث لو تركت مخلفات طحن السكر لتتعفن.
وتُجري شركة سي واي إن كيه عمليات تداول ااعتمادات على منصة تستعمل سلسلة كتلة لتمكين مشروعات المناخ من الجنوب العالمي من التفاعل مباشرة مع المستثمرين والمشترين في الشمال العالمي.
وتضمن هذه التكنولوجيا إزالة الوسطاء الذين قد يأخذون حصة كبيرة أو يبيعون الائتمانات مرتين من المعادلة، كما يمكن تتبع رحلة الائتمان من المنتج إلى المشتري بصورة كاملة.
وقال رازميلوفيتش: “نحن لا نجلس داخل مكتب في لندن أو سان فرانسيسكو لنبتكر تكنولوجيا نعتقد أنها قد تساعدنا.. نحن نغطي سلسلة القيمة بأكملها، بدءًا من المشروع وتأثيره الاجتماعي وحتى جمع البيانات اللازمة لتجارة ائتمانات الكربون بصورة فعالة”.
أسواق الكربون الطوعية تشهد انكماشًا للمرة الأولى منذ 7 سنوات (تقرير)
وأضاف أن “الشفافية في سوق الكربون الطوعية منخفضة للغاية بوجه عام، والثقة منخفضة للغاية. نريد تبسيط العملية برمتها، وزيادة الشفافية، وإزالة أكبر عدد ممكن من الوسطاء”.
وأوضح رازميلوفيتش أن كلًا من شركة تامو كوربوريشن وشركة سي واي إن كيه طُورتا مع وضع “التأثير الاجتماعي” في صميم إستراتيجيتهما منذ البداية. على سبيل المثال، نحو 84% من موظفي تامو البالغ عددهم الآن 400 موظف هم من النساء والشبب.
مؤسسة التمويل الدولية
الطهي بالوقود الملوث في أفريقيا – أرشيفية
تنظيف وقود الطهي الأفريقي
توجد شركة أخرى في طليعة ائتمانات الكربون عالية الجودة في أفريقيا وهي شركة كوكو، التي وضعت حل المشكلة البيئية والصحية واسعة النطاق المتمثلة في وقود الطهي القذر في قلب نموذج أعمالها.
تجدر الإشارة إلى أن نحو 900 مليون شخص يستعملون وقود الطهي القذر في أفريقيا، وصناعة الفحم في كينيا وحدها مسؤولة عن خسارة 5 ملايين هكتار من الغابات كل عام.
وطوّرت شركة كوكو موقد طهي صغير الحجم يعمل بالإيثانول الحيوي للسوق الكينية، الذي يحرق الإيثانول المنتج من قصب السكر المزروع في البلاد.
ويجري توفير الوقود للأسر عبر شبكة من نقاط وقود كوكو في المناطق السكنية في ثماني شبكات حضرية. لدى الشركة الآن نحو 925 ألف عميل، ومن المقرر أن تطرح منتجاتها في رواندا.
وقال المؤسس المشارك الرئيس التنفيذي لشركة كوكو، غريغ موراي: إن نموذج أعمال الشركة يولد الائتمانات للكربون الذي يجري توفيره من خلال تجنب إزالة الغابات، الذي تبيعه الشركة “في كل من الأسواق الطوعية وأسواق الامتثال، ولكن بصورة أساسية إلى أسواق الامتثال”.
وأوضح موراي: “حن ندخل أرباح الكربون في محافظ عملائنا في صورة إعانات مالية عالية على تكلفة الإيثانول الحيوي الذي يشترونه.. لقد سمح لنا هذا بتعزيز التحول إلى الإيثانول الحيوي، مع وصول 10 آلاف منزل جديد أسبوعيًا إلى منصتنا”.
وأردف: “يؤدي إنتاج الفحم إلى إزالة الغابات على نطاق واسع، ومن ثم يتسبب في تآكل التربة وتغيير أنماط هطول الأمطار، ويؤدي بدوره إلى انعدام الأمن الغذائي”، مشيرًا إلى أن “حرق الفحم يطلق الكربون الذي كان من الممكن أن يجري احتجازه، وهو أمر فظيع من منظور الانبعاثات والتلوث”.
اقرأ أيضًا..