يبدو أن الهيدروجين الأخضر هو الموضوع الأبرز الآن على ساحة الاقتصاد الأخضر العالمي، حيث أعلنت العديد من الدول حول العالم بما فيها الدول المتقدمة مثل أستراليا وفرنسا، وأيضا الأسواق الناشئة مثل الهند والبرازيل، عن مبادرات للهيدروجين الأخضر.
وبحلول العام 2050، قد تصبح شمال إفريقيا مصدّرا رئيسيا للهيدروجين الأخضر فيما تكون أوروبا سوقها الرئيسي، فيما تضع دول الخليج حاليًا نصب عينيها الهيدروجين الأخضر في إطار رغبتها المعلنة في جعل اقتصاداتها صديقة للبيئة، بعد أن حقّقت أرباحًا هائلة من الوقود الأحفوري على مدى عقود.
الهيدروجين الأخضر هو وقود عالمي وخفيف وعالي التفاعل، من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي. تستخدم هذه الطريقة تيارًا كهربائيًا لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، إذا تم الحصول على هذه الكهرباء من مصادر متجددة، فسننتج طاقة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
يمكن استخلاص الهيدروجين عبر عمليات كيميائية من الوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، أو المياه، أو من مزيج من الاثنين معا. ويعد المصدر الأساسي لإنتاج الهيدروجين في الوقت الحالي هو الغاز الطبيعي. وعلى الصعيالعالمي، ينتج 6% من الغاز الطبيعي العالمي نحو 75%، أو 70 مليون طن من إنتاج الهيدروجين السنوي، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. ويأتي الفحم بعد الغاز الطبيعي، وذلك نظرا لاستخدامه بكثرة في الصين، كما ينتج جزء صغير من استخدام النفط والكهرباء.
لماذا نفضل الهيدروجين بشكل عام؟
يحتوي الهيدروجين على ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري، مما يجعله أكثر كفاءة، وفقا لمقالة نشرتها كلية كولومبيا للمناخ. ويمكنك أيضا اعتباره مضاعف للكهرباء – فمع بعض الماء وقليل من الكهرباء، يمكنك توليد المزيد من الكهرباء أو الحرارة. كما أنه متاح على نطاق واسع.
وعلى الصعيد العالمي، يجري إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويا، معظمه باستخدام الغاز والفحم الأحفوري اللذين يمثلان معا 95% من الإنتاج العالمي، وفق تقرير إمدادات الهيدروجين العالمي لعام 2021 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. وفي عام 2020، جرى استخدام أكثر من 60% من سوق الهيدروجين العالمية البالغة 150 مليار دولار في عملية إنتاج الأمونيا، تلتها عملية تكرير النفط وإنتاج الميثانول، طبقا لصحيفة فايننشال تايمز. وقد وجدت عدة استخدمت تجارية بالفعل للهيدروجين كمصدر للوقود، بما في ذلك في سيارات الركوب والحافلات وحتى المكوكات الفضائية. ومن المتوقع أنه وبحلول عام 2050 ستصل قيمة تلك السوق إلى 600 مليار دولار، وستستخدم بشكل رئيسي في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والكيمياء والإنشاءات.
إعادة رسم خريطة الطاقة
يتوقّع أن يعيد الهيدروجين الأخضر “رسم خريطة الطاقة والموارد العالمية في وقت مبكر من العام 2030، وإنشاء سوق قيمتها 1,4 تريليون دولار سنويا بحلول العام 2050″، وفقا لتقرير صادر عن شركة ديلويت للاستشارات.
يعدّ وقود الهيدروجين الذي يمكن إنتاجه من الغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية أو الطاقة النووية، “أخضر” عندما تنفصل جزيئات الهيدروجين عن الماء باستخدام كهرباء مستمدة من مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي لا تنتج انبعاثات كربونية.
وأقل من واحد في المئة من إنتاج الهيدروجين في العالم مؤهل حاليا ليصنّف أخضر.
لكن أزمة المناخ مقترنة بالاستثمارات الخاصة والعامة، تسببت في نمو سريع في هذا القطاع.
وأشارت مجموعة الضغط “هايدروجين كاونسل” إلى أن هناك أكثر من ألف مشروع هيدروجين قيد التنفيذ في كل أنحاء العالم.
وأوضحت ن لمشاريع التي أطلقت قبل العام 2030 ستتطلب استثمارات بحوالى 320 مليار دولار.
وبحلول العام 2050، بحسب شركة ديلويت، من المرجح أن تكون المناطق الرئيسية المصدّرة للهيدروجين الأخضر شمال إفريقيا (110 مليارات دولار سنويا) وأميركا الشمالية (63 مليارا) وأستراليا (39 مليارا) والشرق الأوسط (20 مليارا).
ويمكن افتراض أن تقارير الاستشارات الإدارية تعكس مصالح عملائها من الشركات، بما فيها بعض أكبر الجهات الملوثة بالكربون.
لكن الحاجة إلى تلبية الأهداف المناخية والإعانات السخية، ترفع الطلب على الطاقة النظيفة بكل أنواعها، بما فيها الهيدروجين الأخضر.
كما تسعى صناعات الطيران والشحن لمسافات طويلة التي لا يتوافر فيها نوع البطاريات الكهربائية التي تستخدم في المركبات البرية، لاستخدام الهيدروجين بديلا للوقود الأحفوري.
كذلك، يمكن ظهور سوق هيدروجين نظيف من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أن يجعل الصناعة أكثر شمولا للبلدان النامية، بحسب التقرير.
كما سيسمح لصناعات الصلب في بلدان الجنوب، على سبيل المثال، بوقف استخدام الفحم.
ورغم ذلك، في الوقت الحالي، ما زال 99 في المئة من الإنتاج العالمي “رماديا”، أي أنه يتم إنتاج الهدروين عبر فصل جزيئات الميثان، ما يتسبب في إطلاق غازات دفيئة بغض النظر عن نوع الطاقة المستخدمة لإتمام العملية.
هل تصبح شمال إفريقيا المصدّر الرئيسي؟
بحلول العام 2050، قد تصبح شمال إفريقيا مصدّرا رئيسيا للهيدروجين الأخضر فيما تكون أوروبا سوقها الرئيسي، بحسب تقرير حديث يتوقّع مستقبل صناعة لا تزال في مهدها.
وقال سيباستيان دوغيه مدير فريق ديلويت للطاقة والنمذجة والمؤلف المشارك للتقرير الذي يستند إلى بيانات للوكالة الدولية للطاقة، إن هذا هو المكان الذي قد يكون لشمال إفريقيا دور رئيسي لتأديته.
وأوضح لوكالة فرانس برس “نحن نرى أن عددا من دول شمال إفريقيا مثل المغرب ومصر مهتمة بمسألة الهيدروجين، وأن +استراتيجيات هيدروجين+ تعلن هناك بعد بضع سنوات فقط من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.
وأشار إلى أن “المغرب لديه إمكانات قوية جدا لطاقة الرياح التي غالبا ما تكون متجاهلة، وإمكانات كبيرة للطاقة الشمسية، ومصر لديها الوسائل اللازمة لتصبح المصدّر الرئيسي للهيدروجين إلى أوروبا في العام 2050 بفضل خط أنابيب قائم للغاز الطبيعي” يمكن تكييفه لنقل الهيدروجين.
ويمكن السعودية أيضا الاستفادة من أشعة الشمس مع مكانإنتاج 39 مليون طن من الهيدروجين الأخضر المنخفض الكلفة في العام 2050، ما يعادل أربع مرات طلبها المحلي، ما سيساعد في تنويع اقتصادها بعيدا عن البترول، وفق التقرير.
وتوقّع التقرير أن ينتهي الاستثمار بحلول العام 2040 لاحتجاز الكربون وتخزينه كحل لانبعاثات الهيدروجين القائم على الميثان، وهي الاستراتيجية الحالية لدول الخليج الغنية بالنفط، وكذلك الولايات المتحدة والنروج وكندا.
وهذا الهيدروجين المنتج بهذه الطريقة لا يصنّف أخضر بل “أزرق”.
دول الخليج تراهن على وقود للمستقبل
بعد أن حقّقت أرباحًا هائلة من الوقود الأحفوري على مدى عقود، تضع دول الخليج حاليًا نصب عينيها الهيدروجين الأخضر في إطار رغبتها المعلنة في جعل اقتصاداتها صديقة للبيئة.
وتستثمر السعودية والإمارات وسلطنة عمان كثيرًا في هذا الوقود في وقت تبحث عن مصادر عائدات بديلة عن النفط والغاز.
ويقول الخبير كريم الجندي من معهد “تشاتام هاوس” للدراسات الذي يتخذ من لندن مقرًا، “دول الخليج تطمح إلى ريادة سوق الهيدروجين العالمية”.
ويضيف لوكالة فرانس برس “تنظر إلى الهيدروجين الأخضر على أنه أساسي لأنه يسمح لها بالبقاء كقوى كبرى في مجال الطاقة، والاتفاظ نفوذها مع تراجع الطلب على الوقود الأحفوري”.
إلا أنّ هذا الوقود النظيف الذي يمثّل حاليًا أقلّ من 1% من مجمل إنتاج الهيدروجين، ليس قابلا للحياة بعد تجاريًا ويحتاج إلى زيادة هائلة في مصادر الطاقة المتجددة، وهي عملية قد تستغرق سنوات.
وفي حين أن الوقود الأحفوري ينتج غازات الدفيئة، لا ينبعث من الهيدروجين الأخضر سوى بخار المياه. ويتمّ الترويج لاستخدامه في القطاعات الأكثر تلويثًا مثل النقل والشحن وصناعة الصلب.
وبفضل رأس مالها الاستثماري الهائل، تقوم السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، ببناء أكبر محطة لإنتاج للهيدروجين الأخضر في العالم في مدينة نيوم المستقبلية الضخمة في شمال غرب المملكة التي ستبلغ كلفتها 500 مليار دولار.
وستضمّ المحطة التي بلغت كلفتها 8,4 مليار دولار، طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج ما يصل إلى 600 طن من الهيدروجين الأخضر في اليوم بحلول أواخر عام 2026، بحسب السلطات.
في تموز/يوليو، أقرّت الإمارات التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف حول المناخ (كوب28) أواخر العام الحالي، استراتيجية للهيدروجين تهدف إلى إنتاج 1,4 مليون طن متري من الهيدروجين سنويًا بحلول عام 2031، ما يجعلهاواحدة من أكبر الدول العشر المنتجة للهيدروجين.
وترى نائبة رئيس شركة “أدنوك” الإماراتية النفطية العملاقة حنان بالعلا أن “الهيدروجين سيكون وقودًا أساسيًا للانتقال إلى الطاقة” النظيفة، واصفةً إيّاه بأنه “امتداد طبيعي” للشركة.
وتقول لفرانس برس “الإمارات في وضع جيّد للاستفادة منه”.
غير أنّ سلطنة عُمان التي تحلّ في مرتبة متأخرة لجهة إنتاج الوقود الأحفوري مقارنةً بجيرانها، تبدو مستعدةً لقيادة سباق الهيدروجين النظيف في الخليج. إذ إنها ستصبح بحلول نهاية العقد الحالي سادس أكبر مصدّر للهيدروجين الأخضر في العالم والأوّل في الشرق الأوسط، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الطاقة الدولية نُشر في حزيران/يونيو.
وتطمح السلطنة إلى إنتاج ما لا يقلّ عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030، وما يصل إلى 8,5 مليون طن بحلول 2050، “ما سيكون أكبر من مجمل الطلب الحالي على الهيدروجين في أوروبا”، وفق الوكالة.
وبحسب شركة “ديلويت” للتدقيق المالي العملاقة، فإن دول الشرق الأوسط وفي المقام الأول دول الخليج، ستقود تجارة الهيدروجين عالميًا على المدى القصير، عبر تصدير نصف إنتاجها المحلّي بحلول 2030.
وبحلول 250، يتُقع أن تصبح دول شمال إفريقيا وأستراليا الأكثر قدرةً على الإنتاج، رغم أن دول الخليج ستبقى “رائدة في التصدير”، بحسب ما جاء في تقرير للشركة صدر في حزيران/يونيو.
الطريق لا يزال طويلًا
لم يحل الاستثمار في الهيدروجين الأخضر دون توسيع مشاريع النفط والغاز، إذ لدى كل من الإمارات والسعودية خطط لتطوير صناعاتهما الهيدروكربونية.
ويتوقع خبراء أن تحتاج دول الخليج الى سنوات لتتمكن من إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منافسة للوقود الأحفوري.
وفي حين أن كلفة الطاقة المتجددة انخفضت بفضل التقدّم التكنولوجي، إلا أنه لا يمكن بعد إنتاج الهيدروجين الأخضر منه بشكل مربح.
وتقول الباحثة المشاركة في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية عائشة السريحي “دول الخليج ستركّز على زيادة إلى أقصى حدّ مبيعات الهيدروكربونات لأطول فترة ممكنة”.
وتضيف “سيستغرق الأمر سنوات من التجارب والأخطاء حتى يصبح الهيدروجين الأخضر سلعة يتمّ تداولها تجارياً”، مشيرةً إلى أنّه “يمكن أن يكون الوقود الجديد للمستقبل” ما إن تنضج التكنولوجيا وتنخفض التكاليف.
ولا يزال الطلب على الهيدروجين أيضًا غير واضح.
إلّا أن دول الخليج تزوّد منذ زمن دولاآسيوية تتمد على الاستيراد لتأمين حاجاتها من الطاقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية التي تخطط لاستخدام الهيدروجين الأخضر في استراتيجياتها لإزالة الكربون.
ويحذّر وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي عبد الله النعيمي من أنّ “البنية التحتية الحالية لنقل الهيدروجين ليست كافية وستتطلب استثمارات ضخمة لتعديلها”.
ويقول لفرانس برس “الوقت اللازم لرفع التحديات التي يواجهها الهيدروجين (الأخضر) طويل جدًا”.
سلطنة عمان تسعى للريادة
تسعى عُمان للريادة في مجال إنتاج وتوريد الطاقة البديلة، والتخلي التدريجي عن الطاقة الكربونية أو الأحفورية (البترول). لدى السلطنة احتياطات مهمة من النفط والغاز، لكنها رسمت لنفسها مسارا بيئيا طموحا، تمثل في إعلان التزامها بالوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ولتتمكن السلطنة من تحقيق هذا الالتزام، بدأت بالتفكير جديا بالاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، إذ وقعت في 14 آذار/مارس الماضي اتفاقيات مع عدد من الدول والشركات الدولية المعنية بقطاع الطاقة باستثمارات تصل إلى 20 مليار دولار.
وينظر إلى الهيدروجين في عُمان على أنه أحد القطاعات الواعدة للاستثمار محليا وعالميا، ما يحفزالشركات ارائدة على حجز مكان لها في هذه السوق الواعدة.
ولكن الخطوات العمانية على هذا الطريق كانت قد انطلقت قبل ذلك، إذ كانت السلطنة بالفعل في طريقها لتصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين في العالم، والأولى في الشرق الأوسط بحلول عام 2030 (حاليا هي في المركز الثاني بعد مصر، بنحو 11 مشروعا لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وفق تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” بحلول نهاية 2022).
مع ذلك، ما زالت عُمان تنتج الوقود الأحفوري، ووفقا لوكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر في 12 حزيران/يونيو “النفط والغاز يمثلان حوالي 60% من عائدات الصادرات العمانية، ويوفر الغاز الطبيعي المحلي أكثر من 95% من إنتاج الكهرباء في البلاد”.
لكن بفضل الخطط الطموحة التي وضعتها السلطات، يمكن لهذا الوضع أن يتغير بسرعة. فقبل شهر من مؤتمر “COP27” الذي عقد في مصر في نهاية عام 2022، تعهدت عمان بالعمل على الوصول إلى نسبة صفر انبعاثات، كما أعلنت البدء في الحد من استخدام الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة على المستوى الوطني، والاستثمار بمبلغ 140 مليار دولار في صناعة الهيدروجين الأخضر خلال السنوات القليلة المقبل.
حسب باول فرانكل، مدير التقارير ورئيس قسم الطاقة المتجددة في وكالة الطاقة الدولية “لدى عمان رؤية واضحة جدا على المدى الطويل. (المسؤولون في السلطة) يقولون إنه من المنطقي، من وجهة نظر اقتصادية وليس فقط بيئية، التخطيط والتفكير الآن فيما يجب القيام به في المستقبل”.
وجهة نظر السلطات يمكن قياسها وفقا لتقرير وكالة الطاقة المتجددة “آيرينا”، الذي توقع أن يشهد العالم اعتمادا على الهيدروجين كمصدر للطاقة بنسبة 12% بحلول 2050، ما يعني فرصا اقتصادية واعدة للسلطنة العربية.
ووفقا لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، تستهدف سلطنة عمان إنتاج الهيدروجين الأخضر بمعدل 1 إلى 1,25 مليون طن سنويا بحلول عام 2030، و3,25 و3,75 مليون طن سنويا بحلول 2040.
وأورد التقرير أن عمان تخطط للوصول إلى إنتاج 8,5 مليون طن من هذه المادة سنويا بحلول عام 2050، العام الذي حددته الحكومة لتحقيق الحياد الكربوني، وهذا إن تحقق، فسيتجاوز الطلب السنوي الحالي على الهيدروجين في أوروبا.
لدى السلطنة عدد من العناصر التي تخولها النجاح فيما تصبو إليه، كموقعها الجغرافي، إذ يحد سواحلها الخليج العربي وبحر العرب وخليج عمان، ما سيضمن وافر المياهلضمان إنتاج وفير من الهيدروجين.
كما تحتل عمان موقعا مميزا على الخارطة الجغرافية الإقليمية للصادرات التجارية، نظرا لقربها من أسواق الاستيراد الرئيسية في مناطق مثل أوروبا واليابان. لدى السلطنة أيضا موارد هائلة من الطاقة الكهروضوئية (الشمسية)، فضلا عن مساحات كبيرة من الأراضي المتاحة لبناء المنشآت الضرورية لتطبيق هذه المشاريع.
لهيكلة هذا الانتقال، أنشأت الحكومة هيئة “هيدروجين عُمان” في عام 2022، للتخطيط للمشاريع المرتبطة بهذا القطاع. تم تخصيص حوالي 1500 كلم مربع من الأراضي لتطوير منشآت إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، على أن تتوسع المساحة حتى 50 ألف كلم مربع (سدس إجمالي مساحة البلاد البالغة حوالي 310 آلاف كلم مربع) من الأراضي التي ستستقبل مشاريع الطاقة الجديدة.
الكثير من الحجج التي جعلت باولو فرانكل يقول إن عمان “تضع نفسها في مصاف القوى الإقليمية” في مجال في الطاقة الجديدة، “هذا البلد يبدأ بالفعل في تحول عميق. استنادا إلى المشاريع الموجودة حاليا، فإن قيادة عمان واضحة جدا، على الرغم من أن دولا مجاورة أخرى مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربة المتحدة مهمة أيضا بالاستثمار في الطاقة الخضراء”.
وكانت السعودية قد بدأت في بناء محطة عملاقة تعمل بالطاقة الشمسية والرياح، لإنتاج 219 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول عام 2026. كما أعلنت أبو ظبي عن توقيع عقد شراكة مع عملاق الغاز الألماني “Uniper” لبناء مصنع هيدروجين أخضر في الإمارات العربية المتحدة.
أما بالنسبة لنقل كل هذه الكميات من الهيدروجين، فقد أنشأت عمان بالفعل مرافق مخصصة لذلك. وسيتعين عليها مضاعفة هذه المرافق في السنوات القادمة. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية “من المرجح أن يتم نقل صادرات عمان من الهيدروجين المتجدد في البداية كأمونيا. تصدر عمان حاليا حوالي 200 ألف طن من الأمونيا سنويا، ويجب أن ترفع قدرتها التصديرية من هذه المادة 20 إلى 30 ضعفا بحلول عام 2030 إذا كانت تسعى لأن تصبح موردا دوليا رئيسيا للهيدروجين”.
ويأمل باولو فرانكل في أن يشكل نموذج عمان “مصدر إلهام للآخرين (الدول)”، هذا في وقت شرعت فيه دول عديدة حول العالم للتحول تدريجيا نحو مصادر طاقة بديلة.