سطر المصريون أروع أيامهم فى العصر الحديث بانتصار السادس من أكتوبر ذلك الفتح العظيم الذى فتح الأبواب أمام تحقيق تنمية وتوسعات عُمرانية تتعاظم معها مشاعر الفخر فى إطار بهجة الاحتفال بمرور 50 عاما على هذا النصر المجيد.
وتُركز الدولة على نهج المضى قُدما فى مسارات التنمية وفق استراتيجيات تُحقق الاستقرار الاقتصادى ومواجهة تأثير التغير المناخى على قطاعات مختلفة بالدولة، لذلك كان المسار فى طريق الاقتصاد الأخضر ومواكبة التطورات العالمية لتطبيق الاستثمار فى مجالات المناخ والبيئة.
اكتسب الكثير من مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة التى تنتشر فى ربوع الوطن بعض ملامح تميزها من روح أكتوبر، حيث أقيمت المشروعات العملاقة فى شرق مصر، وأصبحت البوابة الشرقية لمصر تُنير فجر التصنيع، مستمدة ذلك من روح النصر خاصة السنوات العشر الماضية التى شهدت مواكبة للأحداث الدولية وإحداث نمو أخضر لتقليل الانبعاثات وتحقيق تنمية شاملة.
كانت إستراتيجية الطاقة المتكاملة لإنجاح مسيرة التنمية التى أعقبتها إستراتيجية التنمية المستدامة 2030، وهى تضع رؤية مصر فى المضى نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التى انبثقت منها عدة إستراتجيات أهمها الإستراتيجية الوطنية منخفضة الانبعاثات بهدف خفض نسبة الكربون والتى اُطلقت عام 2018، وذلك فى خضم التطوير الذى اتخذته القيادة السياسة فى مصر نحو استخدام الطاقات المتجددة مثل إنشاء محطات الرياح والخلايا الشمسية، والطاقات الجديدة متجسدة فى إنشاء محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء، وكان تتويج تلك المجهودات تركيب 13 محطة طاقة شمسية فى عدة قرى بمحافظات القليوبية وبنى سويف والمنيا فى إطار مبادرة «حياة كريمة»، وهذا ضمن ملف التحول نحو الطاقة المتجددة التى نُفذت بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى وسفارة اليابان لتطبيق المعايير الخضراء .
فى البداية يوضح الدكتور سمير طنطاوى، استشارى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة ومدير مشروع الإبلاغ الوطنى الرابع وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ، أن مصر لديها مشروعات ممولة من صندوق المناخ الأخضر وبنك الإعمار الأوروبى متمثلة فى برامج خاصة بالطاقة الجديدة والمتجددة،ولأن مصر مشتركة فى الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ واتفاقية كيوتو واتفاق باريس وكلها ملزمة بخفض الانبعاثات للحيلولة دون الوصول إلى درجة حرارة 1.5 لذلك قدمتمصر فى التقارير الأول والثانى والثالث نسب خفض فى قطاعات الطاقة والبترول والنقل لنحو 80 مليون طن من الكربون، وهى تقارير وطنية يعدها خبراء وطنيون، وأيضا أطلقت مصر إستراتيجيتها للتكيف مع التغيرات المناخية 2050 لخفض نسب الكربون، ويعتبر قطاع الطاقة من أهم القطاعات التى من خلالها يمكن خفض الانبعاثات بالاعتماد على الطاقات الجديدة والمتجددة .
وعن المجهودات المبذولة لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة يشير الدكتور محمد مصطفى الخياط رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة إلى أنه انطلاقا من صدور خرائط كثافة الإشعاع الشمسى ومؤشرات طاقة الرياح كانت انطلاقة لبناء كوادر وطنية واكتساب الخبرات فى مجال الطاقة المتجددة، وكانت البداية فى محطة الغردقة لطاقة الرياح بإجمالى 42 توربينا وبقدرة 5 ميجاوات تكلفت 7.5 مليون دولار وقتها، وأسفر نجاح تلك التجربة عن إنشاء 8 مشروعات (مجمع الزعفرانة) لطاقة الرياح فى منطقة العين السخنة بقدرة 540 ميجاوات بنحو 700 توربين، وهو مشروع شراكة بين مصر وإسبانيا والدانمارك وألمانيا واليابان .
وكانت فرص التمويل بفائدة منخفضة وفترة سداد طويلة، وبعدها كان الاتجاه لإقامة مشروعات الطاقة فى منطة خليج الزيت باعتبارها من أفضل المناطق عالميا فى سرعات الرياح، لذلك كان مجمع جبل الزيت فى شكل 3 مشروعات بإجمالى قدرة 580 ميجاوات ساعد على التطوير فى مجال الطاقة المتجددة، فضلا عن التطوير التشريعى لسياسة سوق الطاقة والذى تبلور فى إصدار القانون لتحفيز العمل وفق العديد من اللوائح والتشريعات لتنظيم العلاقة بين القطاع العام والخاص وهيئة الطاقة المتجددة والشركة المصرية لنقل الكهرباء، فضلا عن تعريفة التغذية وذلك فى عام 2014، وكذلك وضعت الدولة من خلال التعاون بين وزارة البيئة وشركات إنتاج الكهرباء بالرياح معايير حماية نقاط عبور هجرة الطيور الحوامة وذلك باستخدام تقنية رادار D3 لتحديد إذا كان تشغيل المحطات يتزامن مع توقيت قدوم أفواج الطيور بحيث يتم تحديد نوع التوربينات التى يجب إيقافها .
وأضاف الخياط أنه فى مجال الطاقة الشمسية يعتبر إنشاء مجمع بنبان على مساحة 37 كيلومترا مربعا بقدرة 1465 ميجاوات من أهم الإنجازات وقد حصد العديد من الجوائز العالمية لتميزه كأفضل المشروعات فى مجال الطاقة الشمسية، وحاليا تم تخصيص 5200 كيلومتر مربع لإقامة مشروعات للطاقة المتجددة تتمثل فى 1200 كيلومتر مربع على ساحل الحر الأحمر و4000 كيلومتر مربع شرق وغرب النيل .
وبالإضافة إلى النظرة المستقبلية للتحول نحو استخدام المركبات الكهربائية والاستعداد لإصدار تشريعات مواكبة من خلال تحديد نقاط لشحن المركبات كان الاعتماد على الطاقات المتجددة، كما أننا بصدد مشروع مع الجانب الدانماركى لتحديد مناطق طاقة الرياح باستخدام تقنية النمذجة للسعة بجانب الاستفادة من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لاستيعاب القدرات المحفزة لصناعة الهيدروجين وإنتاج الأمونيا الخضراء والإيثانول، ويسرد الخياط أن الهيئة حققت نحو 268 مليون جنيه أرباحا فى 2022 بما ساعد فى توفير أكثر من 645 ألف طن كربون، ومتوقع زيادة فى الأرباح مع تشغيل مجمع خليج السويس والذى تصل استثماراته لنحو 6 مليارات جنيه بقدرة 3000 ميجاوات من طاقة الرياح .
ومصر لديها فرص واعدة لإنتاج الطاقات المتجددة والتى يؤكدها الدكتور هانئ النقراشى خبير الطاقة العالمى وعضو المجلس الاستشارى العلمى لرئاسة الجمهورية، بأن نسبة نجاح مصر فى الانتقال للطاقات الجديدة والمتجددة يتزايد بنحو 6% سنويا، وأن مصر تتمتع بميزة جغرافية ديموجرافية حيث يتركز السكان حول ضفتى نهر النيل بأنشطتهم ومصانعهم ومزاعهم وامتداد الصحارى على جانبى النهر يتيح إقامة محطات الطاقة الشمسية والرياح، خاصة الأخيرة وكذلك التى يتوقع أن تمثل 15% من الطاقات المتجددة عام 2030 .
ونظرا لأن تكلفة محطة الطاقة الشمسية تصل لنحو مليار دولار فإن مصر لديها فرص مشاركة القطاع الخاص فى هذا المجال بإقامة تلك المحطات فى الأماكن النائية مثل الواحات وسيناء، ويمكن بواسطة نظرية الانتشار نجد أنه كلما زاد عدد المحطات الصغيرة التى لا تتعدى 5 ميجاوات يمكن خفض التكلفة مع تعدد إنشاء المحطات ومن عائدها يتم التوسع فى إنشاء محطات جديدة، وهو ما يُطلق عليه سيناريوهات خمسية بما يمكن لمصر من أن تعتمد بشكل كامل على الطاقات المتجددة الشمسية والرياح فى خلال 30 عاما .
ويمكن الاعتماد على الكتيب الصادر من الشركة القابضة للكهرباء والذى يحوى العديد من التفاصيل التى تساعد الشركات الاستثمارية فى تحديد أماكن إنشاء المحطات الشمسية أو الرياح فهو مخطط للشركات الاستثمارية .
ويُعد مشروع إنشاء محطة الضبعة النووية مشروع مصر القومى لإنتاج طاقة نظيفة عديمة الانبعاثات، هذا ما يشير إليه الدكتور أمجد الوكيل رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية موضحا أن برنامج مص النووى السلمى لإنتاج الكهرباء هو خطة نحو المستقبل باعتبارها طاقة خضراء وفق اعتماد الاتحاد الأوروبى فى 2022، حيث إنها سوف توفر نحو 7% من انبعاثات الكربون والذى يُقدر بنحو 15 مليون طن سنويا، أيضا تُسهم محطة الضبعة فى تطوير الصناعات المصرية ونقل التكنولوجيا حيث تتصاعد معها نسب التصنيع المحلى تدريجيا بما يُحدث نقلة متطورة فى خلق تنمية صناعية يمكنها من التنافسية العالمية، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب لسكان مدينة الضبعة والمناطق المحيطة لها، فضلا عن إتاحة فرص عمل من خلال الصناعات المكملة والمساعدة، فإن مشروع الضبعة النووية إضافة مهمة للدخل القومى المصرى والكيان الاجتماعى والتطور الاقتصادى باعتبار أن كل وظيفة واحدة فى تشييد المحطة تخلق أمامها 10 وظائف فى قطاعات ذات صلة .
وأضاف الوكيل أن التسليم الابتدائى للوحدة الأولى للمحطة مقرر فى سبتمبر 2028 وتباعا سيتم تشغيل باقى الوحدات كل 6 أشهر على التوالى، بحيث تعمل بكامل طاقتها فى فبراير 2030، ومحطة الضبعة تتكون من 4 وحدات نووية من مفاعلات VVER 1200 من الجيل الثالث المطور قدرة الوحدة تصل إلى 1200 ميجاوات بإجمالى 4800 ميجاوات، والمحطة تتميز ببساطة التصمم وكفاءة عالية فى استهلاك الوقود وتتمتع بأعلى معايير الأمان وأنظمته بعمر تشغيلى للمحطة يتجاوز 60 عاما.
بجانب أنها مزودة بنظم أمان سلبية، أى لا تحتاج إلى طاقة للتخلص من الحرارة المتبقية بعد إيقاف التشغيل بل تعتمد على الجاذبية والسريان الطبيعى وتتميز بوجود مصيدة لقلب المفاعل، كذلك يتميز الوعاء الخرسانى المزدوج الجدران بقوة تحمل عالية حيث يتحمل اصطدام طائرة وزنها 400 طن وتطير بسرعة 150 مترا فى الثانية، وبالنسبة لتكلفة المحطة فإن مصر تُسهم بنحو 15% من تكلفتها وتمنح الحكومة الروسية الحكومة المصرية ائتمان تمويل بنسبة 85% من قيمة عقود المشروع بشروط تمويلية ميسرة ومعدل فائدة بسيط، وسيتم السداد على مدى 22 عاما بعد الانتهاء من استلام الوحدات النووية ومن عائد بيع الكهرباء ولنا فترة سماح 13 سنة