تشكّل الفوسفات والبوتاس الخام أحد أهم موارد الأردن الطبيعية ذات الوفرة العالية، وتساهم بخلق فرص كبيرة للاستثمار في قطاع الأسمدة للمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي ورفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة قيمة الصادرات، حيث حقق قطاع الأسمدة الأردني نموًا في قيمة صادراته بلغ 44.2 بالمائة خلال العام 2022، وساهمت صادراته بما يقارب 7.6 بالمائة من مجموع الصادرات الوطنية، كذلك ارتفع إجمالي قيمة الصادرات الوطنية خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 2.3 بالمائة، وصولا إلى 4.198 مليار، مع انخفاض المستوردات بنسبة 4.8 % وبفعل هذه النتائج الإيجابية، انخفض العجز في الميزان التجاري بنسبة (10 %) خلال النصف الأول من عام 2023 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022.
برزت الأمونيا كأحد مدخلات انتاج الأسمدة المهمة، وهي عبارة عن مركّب يتكون من ذرة نيتروجين واحدة (82 %) و3 ذرّات هيدروجين (18 %) يرمز له كيميائياً (NH3)، وتختلف أنواع الأمونيا حسب طريقة إنتاجها، سواء من الوقود الإحفوري والغاز (البني والأزرق)، أو مصادر الطاقة المتجددة (الخضراء)، ويصل معدل الطلب العالمي على الأمونيا يصل إلى 183 مليون طن سنويا، يتم استهلاك 8 بالمائة منها في صناعة الأسمدة، ولذلك تأتي أولية توطين صناعة الأمونيا، كأهمية اقتصادية لضمان توفر المدخلات اللازمة للشركات الرئيسية المستهلكة، حيث يبلغ الطلب المحلي حوالي 450 ألف طن سنويا من الأمونيا.
كذلك سيطلق إنتاج الأمونيا في الأردن صناعات نيتروجينية جديدة تتكامل مع صناعة البوتاس والفوسفات، مثل حامض الفوسفوريك، وحامض الفوسفوريك النقي، وفلوريد الالمنيوم، والفسفور الأصفر، وبطاريات الحديد والليثيوم والفوسفات، وسماد أحادي فوسفات البوتاسيوم والنقي، وكذلك العديد من الصناعات الكيماوية عالية القيمة مثل الأدوية، والأصباغ والنسيج والمتفجرات والمبيدات الحشرية، وتصنيع البلاستيك والألياف الاصطناعية.
وتتمثل المعادلة الصعبة في زيادة إنتاج الأسمدة التي يشهد العالم أزمة في توافرها في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية، وفي نفس الوقت الحفاظ على البيئة في صناعة عرفت بتأثيرها الكبير على التغير المناخي، وبالتالي يعزز الاستثمار في الطاقة المتجددة على خفض تكاليف الطاقة الكهربائية، على سبيل المثال يبلغ سعر الكيلوواط/ساعة 0.23 دينار في صناعات التعدين، وهو ما يعتبر مرتفعا جدا، كذلك توطين إنتاج الهيدروجين والأونيا الخضراء، يساهم بزيادة التنافسية وتعزيز سلسلة القيمة الكاملة بدءا من الاستكشاف والإنتاج مرورا بالنقل والتخزين والمصافي والبتروكيماويات وصولا إلى المنتجات النهائية وتوزيعها وتسويقها، بهدف زيادة إسهاماتها في الناتج المحلي الإجمالي.
في الوقت الذي يعيش فيه العالم حالة من عدم اليقين في تأمين مصادر الطاقة نظرا للظروف الجيوسياسية التي تعيق أكبر المنتجين والمستهلكين، في الوقت ذاته تشكل حافزا لزيادة الاستثمار في مشروعات إنتاج الطاقة النظيفة وإنشاء بنية أساسية جديدة، بهدف تحقيق الأمان الطاقي والاستقلالية، وبالتالي التوسع بمشروعات الهيدروجين الأخضر لزيادة الإمدادات وتوفير الهيدروجين والأمونيا الخضراء للسوق العالمي، فمن المتوقع أن يصل الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر إلى حوالي 30 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وسيواصل النمو بشكل كبير ليبلغ 610 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2050.
إن أكثر من 70 % من الانبعاثات العالمية تصدر عن استخدام الطاقة من الوقود الإحفوري، ولذلك من الممكن أن تدفع المساعدات الحكومية مثل قانون التضخم الأميركي والأوروبي والكندي، إعانات وحوافز ضريبية وسياسات داعمة، نحو تحفز الاستثمار في إنتاج الأمونيا الخضراء، وزيادة الطلب على استخدامها عبر مختلف التطبيقات، مما يجعله خيارا أكثر جاذبية للدول والصناعات التي تسعى للاعتماد على مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، باعتباره وقوداً حيوياً محايداً مناخيّاً.
تعتبر أيضا الأمونيا أحد الخيارات المثلى لنقل الهيدروجين، نظرا لجاهزية البنية الأساسية والموانئ لاستقبالها، فهناك 120 ميناء عالميا مجهزا لاستقبال الأمونيا، حيث سيطرت أميركا الشمالية على سوق الأمونيا العالمية بأعلى حصة إيرادات بلغت 28.64 % في عام 2022.، ومن المتوقع أن تصبح صناعة الشحن البحري من أهم الأسواق المستقبلية المعتمدة على الأمونيا الخضراء بصفتها وقوداً؛ إذ تعتبر مسؤولة عن نحو 2.5 % من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.
التحول الطاقي سيتطلب كميات كبيرة من المعادن والعناصر الأرضية النادرة، للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر الصافي، وهو ما يتطلب طفرة تعدينية، وذلك لتغطية الطلب على محلات كهربائية وخلايا وقود لتحويل الكهرباء إلى هيدروجين، كذلك سيوفر مياها محلاة تستخدم في التعدين، وبالتالي تشكيل نظام بيئي اقتصادي، لجميع عمليات سلاسل القيمة المضافة في قطع الصناعة التحويلية، مما يعزز كفاءة القطاع الصناعي، والاعتماد على الذات لتحقيق المصالح الوطنية، وتطوير القاعدة الاقتصادية، وما يرتبط بها من حجم التشغيل، والمساهمة في خفض معدلات البطالة، مع إدارة المخاطر بشكل مثالي.
يُنظر إلى الهيدروجين الأخضر في الأردن بوصفه أحد القطاعات الواعدة للنمو الاقتصادي في البلاد خصوصا مع دمجه بقطاع الأسمدة، في ظل خطط إستراتيجية تستهدف تحويل المملكة إلى مركز عالمي في الصناعات عالية القيمة، كذلك استغلال تطور الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة التي وصلت 27 % عام 2022 والعمل لمضاعفة الإنتاج ليصل 50 % في عام 2030. بالإضافة لذلك يعد موقع الأردن الاستراتيجي على البحر الأحمر موقعاً جذاباً لدعم الهيدروجين الأخضر في البلاد، إذ يمكن استخدام مياه البحر الأحمر كمصدر للمياه في عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر، كذلك يمكن لميناء العقبة دعم عمليات تصدير ونقل الأمونيا الخضراء من خلال توفير البنية التحتية لتخزينه ونقله وتوزيعه.