شهدت إستراتيجية الهيدروجين في ألمانيا تحديثًا جديدًا يمنح الوقود النظيف دورًا أكبر على مسرح الطاقة حتى عام 2030.
يأتي ذلك ضمن خطط ألمانيا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2045، وخفض واردات الوقود الأحفوري، وخاصة الغاز، وسدّ الفراغ الذي خلّفه خروج المفاعلات النووية من الخدمة، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
كما يتجلى دور الهيدروجين في ضوء مساعٍ لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري من القطاعات الأشد تلويثًا، والتي لا يمكن كهربتها، مثل الصلب والكيماويات.
وكشفت الدولة صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي النقاب عن النسخة الجديدة من إستراتيجية الهيدروجين في 26 يوليو/تموز المنصرم 2023، والتي ترسم ملامح الإنتاج والنقل وخطط السوق.
يعتمد التحديث الجديد بصورة كبيرة على الواردات، وهو ما يفتح الباب -على نحو خاص- أمام كلٍ من الإمارات والجزائر للاستحواذ على نصيب كبير من كعكة واردات الهيدروجين الألمانية.
وتفصيليًا، تتميز الجزائر بالعلاقات الطيبة والقرب الجغرافي من أوروبا والبنية الأساسية والخبرة الواسعة في نقل الغاز، كما أعدّت الإمارات الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين لإطلاق العنان لإنتاج الوقود الجيد بغرض التصدير.
وفي هذا الصدد، استعرض تقرير، أعدّته الباحثة في شركة أورورا لأبحاث الطاقة والاستشارات المالية “أورورا إنرجي ريسيرش” (auroraer)، كريستين ستون، تحليلًا لأبعاد الإستراتيجية الجديدة.
إستراتيجية الهيدروجين في ألمانيا
يسلّط تحديث إستراتيجية الهيدروجين في ألمانيا الضوء على الدور المتزايد للهيدروجين في خطة برلين للتحول بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
تضمنت الإستراتيجية مضاعفة هدف رفع قدرات أجهزة المحلل الكهربائي إلى 10 غيغاواط على الأقلّ بحلول نهاية العقد الحالي، في عام 2030.
كما تستهدف البلاد استيراد ما يتراوح بين 50% و70% من الطلب المحلي على الهيدروجين، الذي من المتوقع أن يتراوح بين 95% و130 تيراواط/ساعة في 2030.
ومن المتوقع أن تقدّم الحكومة مساعدات لإقامة مشروعات المحلل الكهربائي بقدرة 2.5 غيغاواط خلال العام الجاري (2023)، كما ستخصص 700 مليون يورو (775 مليون دولار) لأبحاث تستهدف تحسين إنتاج الهيدروجين.
كما من المتوقع إنشاء شبكة أنابيب لنقل الهيدروجين بطول أكثر من 1800 كيلومتر لربط سلاسل الإنتاج والاستياد والتخزين بالعملاء بحلول عام 2030.
في المقابل، يقول خبراء، إن محدودية الطاقة المتجددة جعلت إستراتيجية الهيدروجين في ألمانيا معتمدة بشدة على الواردات من الخارج، كما تسمح بإنتاج الهيدروجين من الوقود الأحفوري، لكن الهيدروجين الأخضر فقط هو الذي سيحصل على الدعم الحكومي المباشر.
من جانبها، قالت جماعات بيئية، إن الإستراتيجية تفتقر لمعايير الاستدامة وفرض قيود واضحة على استعمال الهيدروجين في القطاعات التي لا يمكن كهربتها، بدلًا من استعماله في التدفئة والسيارات، ودعت أيضًا للتخلص التدريجي من الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز الطبيعي.
فرص وتحديات
لخّصت الباحثة في شركة أورورا لأبحاث الطاقة والاستشارات المالية، كريستين ستون، ما جاء بإستراتيجية الهيدروجين في ألمانيا، وأعقبته بالتحليل التالي:
إنتاج الهيدروجين الأخضر والرمادي
رفعت ألمانيا هدف زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر ضمن الإستراتيجية الجديدة، ومن أجل ذلك قررت رفع قدرات المحلل الكهربائي من 5 غيغاواط سابقًا إلى 10 غيغاواط.
في المقابل، يشكّل الهيدروجين الرمادي، المُنتج من الوقود الأحفوري وصاحب الانبعاثات الكربونية الكثيفة، الحصة الأكبر من إنتج الهيدروجين في ألمانيا.
ولذلك -بحسب الباحثة- لن يخلو طريق رفع إنتاج الهيدروجين الأخضر خلال 7 سنوات فقط من عقبات، دون إرساء قواعد سوق للهيدروجين، متوقعة عدم تحقيق الأهداف في موعدها، لأسباب من بينها الطلب على الكهرباء وقدرات المحلل الكهربائي والشكوك بالسوق وصعوبة وصول المشروعات لقرار الاستثمار النهائي دون دعم.
ورغم التأخيرات المحتملة، تؤكد كريستين ستون أهمية الإنتاج المحلي لأمن الطاقة، خاصة بعد أزمة الغاز في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، داعيةً الحكومة لتقديم دعم أكبر في المراحل الأولى لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لأن تكلفة إنتاجه أعلى بكثير من الأنواع الأخرى.
يوضح الإنفوغرافيك أدناه -أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أنواع الهيدروجين حسب طريقة الإنتاج:
الهيدروجين في ألمانيا
واردات ألمانيا من الهيدروجين
بحسب التحليل الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة، ستقوم الواردات بدور مكمل للإنتاج المحلي، حسب إستراتيجية الهيدروجين في ألمانيا التي تتوقع استيراد ما يصل إلى 70% من الطلب على الهيدروجين منخفض الكربون والأخضر بحلول 2030، وهو ما يستلزم بناء شبكة توريد عالمية قوية.
وبالإضافة للهيدروجين الأخضر، دعم ألمانيا إنتاج أنواع أخرى من الهيدروجين منخفض الانبعاثات، مثل الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز، مع استعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.
تقول الباحثة، إن إنتاج الهيدروجين الأزرق سيسرّع وتيرة نمو السوق على المدى القصير، ومن المتوقع أن يسرّع التحول إلى الهيدروجين الأخضر، متوقعة أن تكون أول الواردات من الهيدروجين الأزرق.
ورغم ذلك، تكشف بيانات شركة أورورا أن الهيدروجين الرمادي سيواصل وجوده على قمة الإنتاج حتى 2030، وفي المقابل، ستصعد أنواع الهيدروجين الأخضر ومنخفضة الكربون بدءًا من عام 2035 وما يليه.
البنية الأساسية للهيدروجين في ألمانيا
ثمّنت الباحثة خطة تطوير شبكة أنابيب لنقل الهيدروجين في ألمانيا، إضافة لزيادة الإنتاج والواردات، قائلة، إنها خطوة عملية إلى الأمام، وتُظهر اتّباع نهج أوسع نطاقًا وأكثر واقعية لتحقيق الأهداف الموضوعة.
في المقابل، أوضحت أن الطلب سيتجاوز قدرات البنية الأساسية، وأن سلسلة التوريد ستواجه أزمات، بالإضافة لتأخيرات في بناء خطوط الأنابيب، وهو ما سيفسح مجالًا لنقل الهيدروجين بحرًا على المدى القصير.
نموذج للدول الأخرى
أثنت الباحثة في شؤون الطاقة على تحديث إستراتجية الهيدروجين في ألمانيا، قائلة، إنها تُظهر التزام البلاد بالاستدامة، كما أن زيادة الإنتاج والاستيراد يمثّلان تحولًا في سياسة الطاقة.
ودعت في الوقت نفسه إلى دراسة التحديات المرتبطة بموثوقية سلسلة التوريد وتطوير البنية الأساسية والتكاليف بصورة متأنية، قائلة، إن ألمانيا تمثّل نموذجًا يُحتذى به للدول الأخرى في إزالة الكربون وحلول الطاقة المستدامة.
دور مهم للإمارات
أبرمت ألمانيا العديد من اتفاقيات التعاون لاستيراد الهيدروجين، ومنها مع دول كندا والنرويج والإمارات وأستراليا.
وعلى نحو خاص، نال التعاون بين ألمانيا والإمارات اهتمامًا واسع النطاق، ففي يناير/كانون الثاني 2023، بحث مسؤولون من البلدين تعزيز أطر التعاون بمجال الهيدروجين الأخضر ضمن خطط تحول الطاقة.
وقال وكيل وزارة الطاقة والبنية التحتية لشؤون الطاقة والبترول المهندس شريف العلماء: “على المستوى الحكومي، تعمل الإمارات وألمانيا على مواءمة إستراتيجياتهما وسياساتهما مع جهودهما المشتركة التي تُسهم في تطوير الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين، وإنه من خلال الشراكات مع القطاع الخاص تعمل الشركات الألمانية والإماراتية معًا في العديد من مشروعاتالهيدروجين بالإمارات، والعديد منها في طور الإعداد”.
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول (2022)، وصلت أول شحنة تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون القائمة على الهيدروجين من الإمارات إلى ألمانيا.
تُعدّ الأمونيا منخفضة الكربون وقودًا ناقلًا للهيدروجين، وتحمل إمكانات واعدة واستعمالات صناعية واسعة، بما في ذلك النقل وتوليد الكهرباء والصناعات، مثل إنتاج الصلب والأسمنت والأسمدة.
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2022، وقّعت الإمارات وألمانيا اتفاقية شراكة إستراتيجية في مجالات أمن الطاقة والنمو الصناعي والمناخ، تتضمن تصدير الأمونيا منخفضة الكربون، والتوسع بمشروعات طاقة الرياح في ألمانيا.
وفي 1 سبتمبر/أيلول 2022، أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” تصدير أول شحنة أمونيا منخفضة الكربون من إنتاج الإمارات إلى ألمانيا.
آفاق واعدة للجزائر
تخطط الجزائر للاستحواذ على حصة من سوق تصدير الهيدروجين إلى أوروبا خلال السنوات المقبلة، مدعومة في ذلك بالإمكانات الكبيرة التي تمتلكها في مجال الطاقة المتجددة، والبنية الأساسية.
وتسعى النمسا وألمانيا وإيطاليا لتطوير ممر الهيدروجين إلى أوروبا، كما وقّعت الجزائر مذكرة تفاهم مع إيطالي لتطوير خط أنابيب لنقل الهيدروجين.
يمتد ممر الهيدروجين إلى أوروبا أو “ممر الهيدروجين الجنوبي “ساوث إتش 2″، بطول 3 آلاف و300 كيلومتر، وسيربط شمال أفريقيا وإيطاليا والنمسا وألمانيا.
توضح الخريطة أدناه- أعدّتها منصة الطاقة المتخصصة- خريطة ممر الهيدروجين إلى أوروبا:
الهيدروجين في ألمانيا
كما وقّعت شركة سوناطراك الحكومية الجزائرية مذكرة تفاهم واتفاقية مع شركة الغاز الألمانية “في إن جي”، في ديسمبر/كانون الأول 2022، لدراسة سبل التعاون لإنجاز مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.
وفي يونيو/حزيران 2023، قال المدير العام للاستشراف لوزارة الطاقة والمناجم، ميلود مجلد، إن شركة ألمانية -لم يُكشَف اسمها- أبدت رغبتها في شراء كل إنتاج الجزائر من الهيدروجين.
وفي السياق نفسه، أكد مدير الهيدروجين والطاقات البديلة لمحافظة الطاقات المتجددة في الجزائر، الدكتور رابح سلامي -في حوار خاص مع منصة الطاقة المتخصصة- أن الجزائر أول البلدان المرشحة لتصدير الهيدروجين إلى أوروبا، مدعومة في ذلك بالقرب الجغرافي والخبرة والبنية الأساسية لنقل الغاز الطبيعي للقارة العجوز.