أصبح موضوع الهيدروجين الأخضر يأخذ مكانة مهمة في النقاش العمومي، بالنظر إلى توفر المغرب على إمكانيات كبيرة في هذا المجال يمكن أن تجعله من أهم الفاعلين مستقبلاً، لكن الأمر يفرض عدة تحديات.
بداية الحديث عن هذا الموضوع تعود لسنوات، لكنه أصبح مؤخراً محط اهتمام على نطاق واسع، خصوصاً بعد تقديم النموذج الأولي لمركبة الهيدروجين لشركة “نامكس” لصاحبها فوزي النجاح أمام الملك محمد السادس.
ويستخرج الهيدروجين من المياه عبر فصل الهيدروجين عن الأكسجين في عملية تدعى “التحليل الكهربائي للمياه”، والاعتماد على طاقة متجددة تجعل منه هيدروجين أخضر.
كما سبق للملك محمد السادس أن وجه دعوة للحكومة لبلورة عرض المغرب للهيدروجين الأخضر بهدف الارتقاء بالمملكة إلى نادي الدول ذات المؤهلات القوية في هذا القطاع المستقبلي.
أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات احتضنت ندوة علمية حول هذا الموضوع، أمس الخميس، بمناسبة الذكرى 17 لتأسيسها، حضرها عدد من الخبراء المغاربة والأجانب الذين تطرقوا لمختلف جوانب الموضوع.
عمر الفاسي الفهري، أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، قال في كلمة تقديمية إن “المغرب يتفر على موارد كبيرة في ما يخص الطاقات المتجددة يمكن أن تعوض غياب مصادر الطاقة الأحفورية، خصوصاً في إنتاج الطاقة الكهربائية التي تعتبر رافداً رئيسياً في كل تنمية اقتصادية واجتماعية”.
وأضاف الفهري أن المغرب يتوفر على إمكانيات طاقية ريحية تقدر بـ25 ألف ميغاواط على طول التراب الوطني، وإمكانيات شمسية بنحو 3000 ساعة في السنة، وهو ما يوفر كثافة إشعاعية تقدر بـ5 كيلو واط في المتر مربع في اليوم.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المغرب “يطمح إلى الوصول إلى 52 في المائة من القدرة الكهربائية ذات المصادر المتجددة في أفق 2030، إضافة إلى اقتصاد 15 في المائة من الطاقة بفضل برامج النجاعة الطاقية في مختلف القطاعات السوسيو اقتصادية”.
أمين السر الدائم للأكاديمية لفت إلى أن الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية ستمكن من خلق مناصب شغل مهمة، مورداً في هذا الصدد أن “دراسة للمنتدى الأوروبي المتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية تقدر أن التحول نحو الطاقات المتجددة سيخلق 482 ألف منصب شغل في العشرين سنة المقبلة في المغرب”.
لكن الاستفادة من كل هذه الإمكانيات تتطلب، وفق الفهري، الاستثمار في التكوين المتقدم وملاءمته مع مناصب الشل الجديدة لاستغلال كل الإمكانيات الطاقية التي ستعرف تطوراً في المستقبل القريب، من بينها الهيدروجين الأخضر الذي يتم إنتاجه من الطاقة الخضراء الشمسية والريحية من خلال عملية تسمى التحليل الكهربائي للماء.
ويمكن أن يتم تخزين الهيدروجين الأخضر ونقله واستعمال في سياقات عدة، مثل إنتاج الكهرباء، وصولاً إلى النقل ومروراً بالصناعة. كما أن استعمال الهيدروجين الأخضر يوفر عدة إيجابيات مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي، من بينها أنه لا تنتج عن استعماله غازات الاحتباس الحراري، وهو ما يساهم في خفض انبعاثات الكربون ومواجهة التغيرات المناخية.
وشدد الفهري على أن “البحث العلمي والتكنولوجي مهم من أجل التقدم في مجال الهيدروجين الأخضر باعتباره مصدر طاقة مستدامة من خلال تطوير التكنولوجيات الناجعة ودراسة الآثار البيئية والاقتصادية لإنتاجه واستعماله”، مؤكدا أن “النجاح في التحول الطاقي يمر بالأساس عبر وضع إستراتيجيات للتكوين بين الأكاديميات والجامعة والمؤسسات والمنظمات العمومية والمجتمع المدني”.
من جهته، قال سمير الرشيدي، المدير العام لمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، إن “الهيدروجين الأخضر يوفر إمانيات كبيرة من حيث خلق القيمة ومناصب الشغل، لكنه أيضاً يحمل تحديات عديدة من حيث التنظيم والتقنين والتمويل والبنيات التحتية والصناعة، وأيضاً على المستوى العلمي والتكنولوجي”.
في كلمة قدمها ضمن الندوة، قال مصطفى بوسمينة، مستشار الأكاديمية، إن “الهيدروجين ليس مصدراً للطاقة، بل هو ناقل طاقي، وهو العنصر الأكثر وفرة في الكون، حيث يمثل 90 في المائة من الذرات التي يتكون منها الكون، ويمثل أكثر من 75 في المائة من كتلة الكون، وأكثر من 60 في المائة من الذرات التي يتكون منها جسم الإنسان، و10 في المائة من كتلة الجسم”.
وأوضح بوسمينة أن “الهيدروجين يتكون من إلكترون واحد، ولذلك يجب أن يتحد مع ذرات أخرى”، موردا أن “90 في المائة من إنتاج الهيدروجين حالياً يتم بطرق ينتج عنها ثنائي أوكسيد الكربون، بحيث يستعمل في القطاع الصناعي بالأساس من خلال إنتاج الميثانول والأمونياك”.
يشار إلى أن مجلس الطاقة العالمي سبق أن صنف المغرب كواحد من البلدان الخمسة التي تتوفر على أكبر الإمكانات لإنتاج وتصدير الجزيئات الخضراء من الهيدروجين الأخضر (الأمونيا والميثانول)، ما يعني أن بإمكانه الاستحواذ على ما يصل إلى 4 في المائة منالسوق العالمية للهيدروجين، أو ما يقرب من 3 مليارات دولار.
وفي أبريل المنصرم كشفت دراسة علمية أنجزها باحثون مغاربة أن المملكة لديها القدرة على المنافسة في سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل تكلفة، تصل إلى 2.54 دولاراً للكيلوغرام الواحد، وذلك بمدينة الداخلة.
وأشارت الدراسة إلى أن عملية التحليل الكهربائي للمياه، إلى جانب أنظمة الطاقة المتجددة، هي أحد أكثر الطرق الواعدة التي ستساهم في جعل انتقال الطاقة نحو صفر انبعاث للكربون ممكناً.